فصل: أمر مدينة السلام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتوح البلدان **


 أمر مدينة السلام

قالوا‏:‏ وكانت بغداذ قديمةً فمصرها أمير المؤمنين المنصور رحمه الله وابتنى بها مدينةً وابتدأها في سنة خمس وأربعين ومئة‏.‏

فلما بلغه خروج محمد وإبراهيم بنى عبد الله بن حسن بن حسن عاد إلى الكوفة ثم حول بيوت الأموال والخزائن والدواوين من الكوفة إلى بغداذ سنة ست وأربعين ومئة‏.‏

وسماها مدينة السلام‏.‏

واستتم بناء حائط مدينته وجميع أمره وبناء سور بغداذ القديم سنة سبع وأربعين ومئة‏.‏

وتوفى سنة ثمان وخمسين ومئة بمكة ودفن عند بئر ميمون بن الحضرمي حليف بني أمية‏.‏

وبنى المنصور للمهدي الرصافة في الجانب الشرقي ببغداذ‏.‏

وكان هذا الجانب يدعى عسكر المهدي لأنه عسكر فيه حين خرج إلى الري‏.‏

فلما قدم من الري وقد بدا للمنصور في إنفاذه إلى خرا سان للإقامة بها نزل الرصافة وذلك في سنة إحدى وخمسين ومئة وقد كان المنصور أمر فبنى للمهدي قبل إنزاله الجانب الشرقي قصره الذي يعرف بقصر الوضاح وبقصر المهدي وبالشرقية وهو مما يلي باب الكرخ‏.‏

والوضاح رجلٌ من أهل الأنبار كان تولى النفقة عليه فنسب إليه‏.‏

وبنى المنصور مسجدي مدينة السلام‏.‏

وبنى القنطرة الجديدة على الصراة وابتاع أرض مدينة السلام من قومٍ من أرباب القرى باد وريا وقطر بل ونهر بوق ونهر بين وأقطعها أهل بيته وقواده وجنده وصحابته وكتابه وجعل مجمع الأسواق بالكرخ وأمر التجار فابتنوا الحوانيت وألزمهم الغلة‏.‏

عن أبيه قال‏:‏ سمى المخرم ببغداذ مخرمًا لأن مخرم بن شريح بن حزن الحارثي نزله‏.‏

قال‏:‏ وكان ناحية قنطرة البردان للسرى بن الحطيم صاحب الطيمية التي تعرف ببغداذ‏.‏

وحدثني مشايخ من أهل بغداذ أن الصالحية ببغداذ نسبت إلى صالح بن المنصور‏.‏

قالوا‏:‏ والحربية نسبت إلى حرب بن عبد الله البلخي وكان على شرط جعفر بن أبي جعفر بالموصل‏.‏

والزهيرية تعرف بباب التبن نسبت إلى زهير بن محمد من أهل أبيورد‏.‏

وعيساباذ نسبت إلى عيسى بن المهدي وكان في حجر منازل التركي وهو ابن الخيزران‏.‏

وقصر عبدويه مما يلي براثا نسب إلى رجل من الأزد يقال له عبدويه وكان من وجوه أهل الدولة‏.‏

قالوا‏:‏ وأقطع المنصور ببغداذ سليمان بن مجالد - ومجالد شروىٌ مولى لعلي بن عبد الله - موضع داره‏.‏

وأقطع مهلهل بن صفوان قطيعة بالمدينة وإليه ينسب درب مهلهل‏.‏

وكان صفوان مولى علي بن عبد الله‏.‏

وكان اسم مهلهل يحيى فاسنشده محمد بن علي شعرًا فأنشده‏.‏

أليلتنا بذي حشمٍ أنيري وهي لمهلهل فسماه مهلهلًا‏.‏

ومحمد أعتقه‏.‏

وأقطع المنصور عمارة بن حمزة الناحية المعروفة به خلف مربعة شبيب بن واج‏.‏

واقطع ميمونًا أبا بشر بن ميمون قطيعةً عن بستان القس ناحية باب الشام‏.‏

وطاقات بشر تنسب إلى بشر بن ميمون هذا‏.‏

وكان ميمون مولى على ابن عبد الله‏.‏

وأقطع شبيلًا مولاه قطيعةً عند دار يقطين وهناك مسجد يعرف بشبيل‏.‏

وأقطع أم عبيده وهي حاضنة لهم ومولاة لمحمد بن علي قطيعةً‏.‏

وغليها تنسب طاقات أم عبيده بقرب الجسر‏.‏

اقطع منيرة مولاة محمد بن علي وإليها ينسب درب منيرة وخان منيرة في الجانب الشرقي‏.‏

واقطع ريسانة موضعًا يعرف بمسجد بنى رغبان مولى حبيب بن مسلمة الفهري يدخل في قصر عيسى بن جعفر أو جعفر بن جعفر بن المنصور ودرب مهروية في الجانب الشرقي نسب إلى مهروية الرازي وكان من سبى سنفاذ فاعتقه المهدي‏.‏

ولم يزل المنصور رحمه الله بمدينة السلام إلى آخر سني خلافته ثم حج منها وتوفي بمكة‏.‏

ونزلها بعده المهدي أمير المؤمنين ثم شخص منها إلى ماسبذان فتوفى بها‏.‏

وكان أكثر نزوله من مدينة السلام بعيساباذ في أبنية بناها هناك‏.‏

ونزلها الرشيد هارون بن المهدي ثم شخص عنها إلى الرافقة فأقام بها وسار منها إلى خرا سان فتوفي بطوس‏.‏

ونزلها محمد بن الرشيد فقتل بها‏.‏

وقدمها المأمون عبد الله بن الرشيد من خرا سان فأقام بها ثم شخص عنها غازيًا فمات بالفذ ندون ودفن بطر سوس‏.‏

ونزلها أمير المؤمنين المعتصم بالله ثم شخص عنها إلى القاطول فنزل قصرًا للرشيد كان ابتناه حين حفر قاطوله الذي دعاه أبا الجند لقيام ما يسقى من الرضين بأرزاق جنده‏.‏

ثم بنى بالقاطول بناء نزله ودفع ذلك القصر إلى اشناس التركي مولاه وهم بتمصير ما هناك وابتدأ بناء مدينة تركها‏.‏

ثم رأى تمصير سر من رأى فمصرها ونقل الناس إليها وأقام بها وبنى مسجدًا جامعًا في طرف الأسواق وسماها سر من رأى‏.‏

وأنزل اشناس مولاه فيمن ضم إليه من القواد كرخ فيروز وأنزل بعض قواده الدور المعروفة بالعرباني‏.‏

وتوفى رحمه الله بسر من رأى في سنة سبع وعشرين ومئتين‏.‏

وأقام هارون الواثق بالله بسر من رأى في بناءٍ بناه وسماه الهاروني حتى توفى به‏.‏

ثم استخلف أمير المؤمنين جعفر المتوكل على الله رحمه الله في ذى الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومئتين فأقام بالهاروني وبنى بناء كثيرًا وأقطع الناس في ظهر سر من رأى بالحائر الذي كان المعتصم بالله احتجزه بها قطائع فاتسعوا بها‏.‏

وبنى مسجدًا جامعًا كبيرًا وأعظم النفقة عليه وأمر برفع منارته لتعلوا أصوات المؤذنين فيها حتى ينظر إليها من فراسخ فجمع الناس فيه وتركوا المسجد الأول‏.‏

ثم أنه أحدث مدينة سماها المتوكلية وعمرها وأقام بها وأقطع الناس فيها القطائع وجعلها فيما بين الكرخ المعروف بفيروز وبين القاطول المعروف بكسرى فدخلت الدور والقرية المعروفة بالماحوزة فيها‏.‏

وبنى بها مسجدًا جامعًا‏.‏

وكان من ابتدائه إياها إلى أن نزلها أشهر ونزلها في أول سنة ست وأربعين ومائتين‏.‏

ثم توفى بها رحمه الله في شوال سنة سبع وأربعين واستخلف في هذه الليلة المنتصر بالله فانتقل عنها إلى سر من رأى يوم الثلاثاء لعشر خلون من شوال ومات بها‏.‏

قالوا‏:‏ كانت عيون الطف مثل عين الصيد والقطقطانة والرهيمة وعين جمل وذواتها للموكلين بالمسالح التي وراء السواد‏:‏ وهي عيون خندق سابور الذي حفره بينه وبين العرب الموكلين بمسالح الخندق وغيرهم‏.‏

وذلك أن سابور أقطعهم أرضها فاعتملوها من غير أن يلزمهم لها خراجًا‏.‏

فلما كان يوم ذي قار ونصر الله العرب بنبيه صلى الله عليه وسلم غلبت العرب على طائفة من تلك العيون‏.‏

وبقي في أيدي الأعاجم بعضها‏.‏

ثم لما قدم المسلمون الحيرة هربت الأعاجم بعد أن طمت عامة ما في أيديهم منها وبقي الذي في أيدي العرب فأسلموا عليه وصار ما عمروه من الأرضين عشريًا‏.‏

ولما مضى أمر القادسية والمدائن دفع ما جلا عنه أهله من أراضي تلك العيون إلى المسلمين فأقطعوه فصارت عشرية أيضًا وكذلك مجرى عيون الطف وأرضيها مجرى أعراض المدينة وقرى نجد وكل صدقتها إلى عمال المدينة‏.‏

فلما ولى إسحاق بن إبراهيم بن مصعب السواد للمتوكل على الله ضمها إلى ما في يده فتولى عمالة عشرها وصيرها سوادية وهي على ذلك إلى اليوم‏.‏

وقد استخرج عيونٌ إسلامية في مجرى ما سقت عيونها من الأرضين هذا المجرى‏.‏

وحدثني بعض المشايخ أن جملًا مات عند عين الجمل فنسبت إليه‏.‏

وقال بعض أهل واسط‏:‏ إن المستخرج لها كان يسمى جملًا‏.‏

قالوا‏:‏ وسميت العين عيد الصيد لأن السمك يجتمع فيها‏.‏

وأخبرني بعض الكريزيين أن عين الصيد كانت مما طم فبينا رجل من المسلمين يجول فيما هناك إذ ساخت قوائم فرسه فيها‏.‏

فنزل عنه فخفر فظهر له الماء فجمع قومًا عاونوه على كشف التراب والطين عنها وتنقيتها حتى عادت إلى ما كانت عليه‏.‏

ثم إنها صارت بعد إلى عيسى بن علي‏.‏

وكان عيسى ابتاعها من ولد حسن ابن حسن بن علي بن أبي طالب وكانت عنده منهم أم كلثوم بنت حسن بن حسن وكان معاوية أقطع الحسن بن علي عين صيد هذه عوضًا من الخلافة مع غيرها‏.‏

وكانت عين الرحبة مما طم قديمًا فرآها رجلٌ من حجاج أهل كرمان وهي تبض فلما انصرف من حجه أتى عيسى بن موسى متنصحًا فدله عليها فاستقطعها وأرضها واستخرجها له الكرماني فاعتمل ما عليها من الأرضين وغرس النخل الذي في طريق العذيب‏.‏

وعلى فراسخ من هيت عيونٌ تدعى العرق تجري هذا المجرى أعشارها إلى صاحب هيت‏.‏

حدثني الأثرم عن أبي عبيده عن أبي عمرو بن العلاء قال‏:‏ لما رأت العرب كثرة القرى والنخل والشجر قالوا‏:‏ ما رأينا سوادًا أكثر‏.‏

والسواد الشخص فلذلك سمى السواد سوادا‏.‏

وحدثني القاسم بن سلام قال‏:‏ حدثنا محمد بن عبيد عن محمد بن أبي موسى قال خرج‏:‏ علي إلى السوق فرأى أهله قد حازوا أمكنتهم فقال‏:‏ ليس ذلك لهم إن سوق المسلمين كمصلاهم من سبق إلى موضعٍ فهو له يومه حتى يدعه‏.‏

حدثني أبو عبيد قال‏:‏ حدثني مروان بن معاوية عن عبد الرحمن بن عبيد عن أبيه قال‏:‏ كنا نغدو إلى السوق في زمن المغيرة بن شعبة فمن قعد في موضع كان أحق به إلى الليل‏.‏

فلما كان زياد قال‏:‏ من قعد في موضع كان أحق به ما دام فيه‏.‏

قال مروان‏:‏ وولى المغيرة الكوفة مرتين لعمر مرة ومرة لمعاوية‏.‏

نقل ديوان الفارسية وحدثني المدائني علي بن محمد بن ابي سيف عن أشياخه قالوا‏:‏ لم يزل ديوان خراج السواد وسائر العراق بالفارسية فلما ولى الحجاج العراق استكتب زادان فروخ بن بيرى وكان معه صالح بن عبد الرحمن مولى بن تميم يخط بين يديه بالعربية والفارسية‏.‏

وكان أبو صالح من سبى سجستان فوصل زادان فروخ صالحًا بالحجاج وخف على قلبه‏.‏

فقال له ذات يوم‏:‏ إنك سببي إلى الأمير وأراه قد استخفى ولا آمن أن يقدمني عليك وان تسقط‏.‏

فقال‏:‏ لا تظن ذلك هو أحوج إلي منه إليك لأنه لا يجد من يكفيه حسابه غيري‏.‏

فقال‏:‏ والله لو شئت أن أحول الحساب إلى العربية لحولته‏.‏

قال‏:‏ فحول منه شطرًا حتى أرة‏.‏

ففعل‏.‏

فقال له‏:‏ تمارض‏.‏

فتمارض فبعث إليه الحجاج طبيبه فلمير به علة‏.‏

وبلغ زادان فروخ ذلك فأمره أن يظهر‏.‏

ثم إن زادان فروخ قتل أيام عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الكندي وهو خارج من منزلٍ كان فيه إلى منزله أو منزل غيره‏.‏

فاستكتب الحجاج صالحًا مكانه‏.‏

فأعلمه الذي كان جرى بينه وبين زادان فروخ في نقل الديوان‏.‏

فعزم الحجاج على أن يجعل الديوان بالعربية‏.‏

وقلد ذلك صالحًا‏.‏

فقال له مردا نشاه بن زادان فروخ‏:‏ كيف تصنع بد هوية وششوية قال‏:‏ أكتب عشر ونصف عشر‏.‏

قال‏:‏ فكيف تصنع بويد قال‏:‏ أكتبه أيضًا‏.‏

والويد النيف والزيادة تزاد‏.‏

فقال‏:‏ قطع الله أصلك من الدنيا كما قطعت أصل الفارسية‏.‏

وبذلت له مئة ألف درهم على أن يظهر العجز عن نقل الديوان ويمسك عن ذلك فأبى ونقله‏.‏

فكان عبد الحميد بن يحيى كاتب مروان بن محمد يقول‏:‏ لله در صالح‏!‏ ما أعظم منته على الكتاب‏.‏

وحدثني عمر بن شبة قال‏:‏ حدثني أبو عاصم النبيل قال أنبأ سهل بن أبي الصلت قال‏:‏ أجل الحجاج صالح بن عبد الرحمن أجلًا حتى قلب الديوان‏.‏

فتوح الجبال - حلوان قالوا‏:‏ لما فرغ المسلمون من أمر جلولاء الوقيعة ضم هاشم بن عتبة ابن أبي وقاص إلى جرير بن عبد الله البجلى خيلًا كثيفة ورتبه بجلولاء ليكون بين المسلمين وبين عدوهم‏.‏

ثم إن سعدًا وجه إليهم زهاء ثلاثة آلافٍ من المسلمين وأمره أن ينهض بهم وبمن معه إلى حلوان‏.‏

فلما كان بالقرب منها هرب يزدجرد إلى ناخ ة أصبهان‏.‏

ففتح جرير حلوان صلحًا على أن كف عنهم وأمنهم على دمائهم وأموالهم وجعل لمن أحب منهم الهرب أن لا يعرض لهم‏.‏

ثم خلف بحلوان جريرًا مع عزرة بن قيس بن غزية البجلي ومضى نحو الدينور فلم يفتحها وفتح قرماسيين على مثل ما فتح عليه حلوان‏.‏

وقدم حلوان فأقام بها واليًا عليها إلى أن قدم عمار بن ياسر الكوفة‏.‏

فكتب إليه يعلمه أن عمر بن الخطاب أمره أن يمد به أبا موسى الأشعري فخلف جرير عزرة بن قيس على حلوان وسار حتى أتى أبا موسى الشعري في سنة تسع عشرة‏.‏

وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن محمد بن نجاد عن عائشة بنت سعد أب يوقاص قالت‏:‏ لمكا قتل معاوية حجر بن عدي الكندي قال أبى‏:‏ لو رأى معاوية ما كان من حجوم عين قنطرة حلوان لعرف أن له غناءً عظيمًا عن الإسلام‏.‏

قال الواقدي‏:‏ وقد نزل حلوان قومٌ من ولد جرير بن عبد الله فأعاقبهم بها‏.‏

فتح نهاوند قالوا‏:‏ لما هرب يزد جرد من حلوان في سنة تسع عشرة تكاتبت الفرس وأهل الري وقومس وإصبهان وهمذان والماهين وتجمعوا إلى يزد جرد وذلك في سنة عشرين فأمر عليهم مردا نشاه ذا الحاجب وأخرجوا رايتهم الدر فشكا بيان وكانت عدة المشركين يومئذ ستين ألفًا ويقال مئة ألف‏.‏

وقد كان عمار بن ياسر كتب إلى عمر بن الخطاب بخيرهم فهم أن يغزوهم بنفسه ثم خاف أن ينتشر أمر العرب بنجد وغيرها وأشير عليه بأن يغزى أهل الشام من شامهم وأهل اليمن من يمنهم فخاف إن فعل ذلك أن يعود الروم إلى أوطانها وتغلب الحبشة على ما يليها‏.‏

فكتب إلى أهل الكوفة يأمرهم أن يسير ثلثاهم ويبقى ثلثهم لحفظ بلدهم وديارهم‏.‏

وبعث من أهل البصرة بعثًا‏.‏

وقال‏:‏ لأستعملن رجلًا يكون لأول ما يلقاه من السنة‏.‏

فكتب إلى النعمان بن عمرو بن مقرن المزني وكان مع السائب بن الأقرع الثقفي بتوليته الجيش وقال‏:‏ إن أصبت فالأمير حذيفة بن اليمان فإن أصيب فجرير بن عبد الله المجلي فإن أصيب فالمغيرة ابن شعبة فإن أصيب فالأشعث بن قيس‏.‏

وكان النعمان عاملًا على كسكر وناحيتها ويقال بل كان بالمدينة فولاه عمر أمر هذا الجيش مشافهةً فشخص منها‏.‏

وحدثني شيبان قال‏:‏ حدثنا حماد بن سلمة عن أبي عمران الجوني عن علقمة بن عبد الله عن معقل بن يسار أن عمر بن الخطاب شاور الهرمزان فسأل‏:‏ ما ترى أنبدأ بإصبهان أو بأذربيجان فقال الهرمزان‏:‏ إصبهان الرأس وأذربيجان الجناحان فإن قطعت الرأس سقط الجناحان والرأس‏.‏

قال‏:‏ فدخل عمر المسجد فبصر بالنعمان بن مقرنٍ‏:‏ أما جابيًا فلا ولكن غازيا‏.‏

قال‏:‏ فأنت غاز‏.‏

فأرسله وكتب إلى أهل الكوفة أن يمدوه‏.‏

فأمدوه وفيهم المغيرة بن شعبة‏.‏

فبعث النعمان المغيرة إلى ذى الحاجبين عظيم العجم بنهاوند فجعل يشق بسطه برمحه حتى قام بين يديه ثم قعد على سريره فأمر به فسحب‏.‏

فقال‏:‏ إني رسولٌ‏.‏

ثم التقى المسلمون والمشركون فسلسلوا كل عشرةٍ في سلسلة وكل خمسة في سلسلة لئلا يفروا‏.‏

قال‏:‏ فرمونا حتى جرحوا منا جماعة وذلك قبل القتال‏.‏

وقال النعمان‏:‏ شهدت النبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا لم يقاتل في أول النهار انتظر زوال الشمس وهبوب الرياح ونزول النصر‏.‏

ثم قال‏:‏ إني هازٌ لوائي ثلاث هزات‏:‏ فأما أول هزة فليتوضأ الرجل بعدها وليقض حاجته وأما الهزة الثانية فلينظر الرجل بعدها إلى سيفه أو قال شسعه وليتهيأ وليصلح من شأنه وأما الثالثة فإذا كانت إن شاء الله فاحملوا ولا يلوين أحدٌ على أحد‏.‏

فهز لواءه ففعلوا ما أمرعهم وثقل درعه عليه فقاتل وقاتل الناس فكان رحمه الله أول قتيل‏.‏

قال‏:‏ فأتيت النعمان وبه رمقٌ فغسلت وجهه من أدواة ماءٍ كانت معي‏.‏

فقال‏:‏ من أنت قلت‏:‏ معقل‏.‏

قال‏:‏ ما صنع المسلمون قلت‏:‏ أبشر بفتح الله ونصره‏.‏

قال‏:‏ الحمد لله اكتبوا إلى عمر‏.‏

حدثني شيبان قال‏:‏ حدثنا حماد بن سلمة قال‏:‏ حدثني علي بن زيد بن جدعان عن أبي عثمان النهدي قال‏:‏ أنا ذهبت بالبشارة إلى عمر‏.‏

فقال‏:‏ ما فعل النعمان قلت‏:‏ قتل‏.‏

قال‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

ثم بكى فقلت‏:‏ قتل والله في آخرين لا أعلمهم‏.‏

قال‏:‏ ولكن الله يعلمهم‏.‏

وحدثني أحمد بن إبراهيم قال‏:‏ حدثنا أبو أسامة وأبو عامر العقدي وسلم بن قتيبة جميعا عن شعبة عن علي بن زيد عن أبي عثمان النهدي قال‏:‏ رأيت عمر بن الخطاب لما جاءه نعى النعمان بن مقرن وضع يده على رأسه وجعل يبكي‏.‏

وحدثنا القاسم بن سلام قال‏:‏ حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري عن النهاس بن قهم عن القاسم بن عوف عن أبيه عن السائب بن الأقرع - أو عن عمر بن السائب عن أبيه شك الأنصاري - قال‏:‏ زحف إلى المسلمين زحفٌ لم ير مثله‏.‏

فذكر حديث عمر فيما هم به من الغزو بنفسه وتوليته النعمان بن مقرن وأنه بعث إليه بكتابه مع السائب وولى السائب الغنائم وقال‏:‏ لا ترفعن باطلا ولا تحبسن حقًا‏.‏

ثم ذكر الوقعة‏.‏

قال‏:‏ فكان النعمان أول مقتولٍ يوم نهاوند‏.‏

ثم أخذ حذيفة الراية ففتح الله عليهم‏.‏

قال السائب‏:‏ فجمعت تلك الغنائم ثم قسمتها ثم أتاني ذو العوينتين فقال‏:‏ إن كنز النخير خان في القلعة‏.‏

قال‏:‏ فصعدتها فإذا أنا بسفطين فيهما جوهر لم أر مثله قط‏.‏

قال‏:‏ فأقبلت إلى عمر وقد راث عنه الخبر وهو يتطوف المدينة ويسأل‏.‏

فلما رآني قال‏:‏ ويلك ما وراءك فحدثته بحديث الوقعة ومقتل النعمان وذكرت له شأن السفطين‏.‏

فقال‏:‏ اذهب بهما فبعهما ثم اقسم ثمنها بين المسلمين‏.‏

فأقبلت بهما إلى الكوفة فأتانى شابٌ من قريش يقال له عمرو بن حريث فاشتراهما بأعطية الذرية والمقاتلة‏.‏

ثم انطلق بأحدهما إلى الحيرة فباعه بما اشتراهما به منى وفضل الآخر فكان ذلك أول لهوة مال اتخذه‏.‏

وقال بعض أهل السيرة‏:‏ اقتتلوا بنهاوند يوم الأربعاء ويوم الخميس ثم تحاجزوا ثم اقتتلوا يوم الجمعة‏.‏

وذكر من حديث الوقعة نحو حديث حماد بن سلمة‏.‏

وقال ابن الكلبي عن أبي مخنف أن النعمان بن مقرن نزل الاسبيذهان وجعل على ميمنته الأشعث بن قيس وعلى الميسرة المغيرة بن شعبة‏.‏

فاقتتلوا فقتل النعمان ثم ظفر المسلمون قال‏:‏ وكان فتح نهاوند في سنة تسع عشرة يوم الأربعاء ويقال في سنة عشرين‏.‏

وحدثنا الرفاعي قال‏:‏ حدثنا العنقزي عن أبي بكر الهذلي عن الحسن ومحمد قالا‏:‏ كانت وقعة نهاوند سنة إحدى وعشرين‏.‏

وحدثني الرفاعي قال‏:‏ حدثنا العنقزى عن أبي معشر عن محمد بن كعب مثله‏.‏

قالوا‏:‏ ولما هزم جيش الأعاجم وظهر المسلمون وحذيفة يومئذ على الناس حاصر نهاوند‏.‏

فكان أهلها يخرجون فيقاتلون وهزمهم المسلمون‏.‏

ثم إن سماك بن عبيد العبسي اتبع رجلًا منهم ذات يوم ومعه ثمانية فوارس فجعل لا يبرز إليه رجلٌ منهم إلا قتله حتى لم يبق غير الرجل وحده فاستسلم وألقى سلاحه فأخذه أسيرًا فتكلم بالفارسية فدعا له سماك برجل يفهم كلامه فترجمه فإذا هو يقول‏:‏ اذهب إلى أميركم حتى أصالحه عن هذه الرض وأؤدي إليه الجزية وأعطيك على أسرك إياي ما شئت فإنك قد مننت علي إذ لم تقتلني‏.‏

فقال له‏:‏ وما اسمك قال‏:‏ دينار‏.‏

فانطلق به إلى حذيفة فصالحه على الخراج والجزية وأمن أهل مدينته نهاوند على أموالهم وحيطانهم ومنازلهم‏.‏

فسميت نهاوند ماه دينار‏.‏

وكان دينار يأتي بعد ذلك سماكًا ويهدى إليه ويبره‏.‏

وحدثني أبو مسعود الكوفي عن المبارك بن سعيد عن أبيه قال‏:‏ وكانت نهاوند من فتوح أهل الكوفة والدينور من فتوح أهل البصرة‏.‏

فلما كثر المسلمون بالكوفة احتاجوا إلى أن يزادوا في النواحي التي كان خراجها مقسومًا فيهم فصيرت لهم الدينور وعوض أهل البصرة نهاوند لأنهامن إصبهان‏.‏

فصار فضل ما بين خراج الدينور ونهاوند لأهل الكوفة‏.‏

فسميت نهاوند ماه البصرة والدينور ماه الكوفة وذلك في خلافة معاوية‏.‏

وحدثني جماعة من أهل العلم أن حذيفة بن اليمان - وهو حذيفة ابن حسيل بن جابر العبسي حليف بني عبد الأشهل من الأنصار وأمه الرباب بنت كعب بن عدي من عبد الأشهل - وكان أبو حذيفة قتل يوم أحدٍ قتله عبد الله بن مسعود الهذلي خطاء وهو يحسبه كافرًا فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخراج ديته فوهبه حذيفة للمسلمين‏.‏

وكان الواقدي يقول‏:‏ سمى حسيل باليماني لأنه كان يتجر إلى اليمن فإذا أتى المدينة قالوا‏:‏ قد جاء اليماني‏.‏

وقال الكلبي‏:‏ هو حذيفة بن حسيل بن جابر بن ربيعة بن عمرو بن جروة وجروة هو اليمان نسب إليه حذيفة وبينهما آباء وكان قد أصاب في الجاهلية دمًا وهرب إلى المدينة وحالف بني عبد الأشهل فقال قومه‏:‏ هو يمان لأنه حالف اليمانية‏.‏

قالوا‏:‏ انصرف أبو موسى الأشعري من نهاوند وقد كان سار بنفسه إليها على بعث أهل البصرة ممدًا للنعمان بن مقرن فمر بالدينور فأقام عليها خمسة أيام قوتل منها يومًا واحدًا‏.‏

ثم إن أهلها أقروا بالجزية والخراج وسألوا الأمان على أنفسهم وأموالهم وأولادهم‏.‏

فأجابهم إلى ذلك‏.‏

وخلف بها عامله في خيل‏.‏

ثم مضى إلى ما سبذان فلم يقاتله أهلها‏.‏

وصالحه أهل السير وان على مثل صلح ألد ينور وعلى أن يؤدوا الجزية والخراج‏.‏

وبث السرايا فيهم فغلب على أرضها‏.‏

وقومٌ يقولون‏:‏ إن أبا موسى فتح ما سبذان قبل وقعة نهاوند وبعث أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري السائب بن الأقرع الثقفى - وهو صهره على ابنته وهي أم محمد بن السائب - إلى الصيمرة مدينة مهر جانقذف ففتحها صلحًا على حقن الدماء وترك السباء والصفح عن الصفراء والبيضاء وعلى أداء الجزية وخراج الأرض‏.‏

وفتح جميع كور مهر جانقذف‏.‏

وأثبت الخير أنه وجه السائب من الأهواز ففتحها‏.‏

حدثني محمد بن عقبة بن مكرم الضبي عن أبيه عن سيف بن عمر التميمي عن أشياخ من أهل الكوفة أن المسلمين لما غزوا الجبال فمروا بالقلة الشرقية التي تدعى سن سميرة - وسميرة امرأة من ضبة من بني معاوية بن كعب بن ثعلبة بن سعد بن ضبة من المهاجرات قال ابن هشام الكلبي‏:‏ وقناطر النعمان نسبت إلى النعمان بن عمرو بن مقرن المزنى عسكر عندها وهي قديمة‏.‏

وحدثني العباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن عوانة قال‏:‏ كان كثير بن شهاب بن الحصين بن ذى الغصة الحارثي عثمانيًا يقع في علي بن أبي طالب ويثبط الناس عن الحسين ومات قبيل خروج المختار بن أبي عبيد أو في أول أيامه وله يقول المختار بن أبي عبيد في سجعه‏:‏ أما ورب السحاب شديد العقاب سريع الحساب منزل الكتاب لأنبشن قبر كثير بن شهاب المفترى الكذاب ‏.‏

وكان معاوية ولاه الري ودستبى حينًا من قبله ومن قبل زيادة والمغيرة ابن شعبة عامليه‏.‏

ثم غضب عليه فحبسه بدمشق وضربه جتى شخص شريح ابن هانئ المرادي إليه في أمره فتخلصه‏.‏

وكان يزيد بن معاوية قد حمد مشابعته وأتباعه لهواه فكتب إلى عبيد الله بن زياد في توليته ماسبذان ومهر جانقذف وحلوان والماهين وأقطعه ضياعًا بالجبل فبنى قصره المعروف بقصر كثير وهو من عمل الدينور‏.‏

وكان زهرة بن الحارث بن منصور بن قيس بن كثير بن شهاب اتخذ بما سبذان ضياعا‏.‏

حدثني بعض ولد خشرم بن مالك بن هبيرة الأسدي أن أول نزول الخشارمة ما سبذان كان في آخر أيام بني أمية نزع إليها جدهم من الكوفة‏.‏

وحدثني العميري عن الهيثم بن عدي قال‏:‏ كان زياد في سفر فانقطع سفشق قائه فأخرج كثير بن شهاب إبرةً كانت مغروزةً في قلنسوته وخيطًا كان معه فأصلح السفشق‏.‏

فقال له زياد‏:‏ أنت حازم وما مثلك يعطل‏.‏

فولاه بعض الجبل‏.‏